ها نحن مزّقنا "أوسلو"!

ها نحن مزّقنا "أوسلو"!

  • ها نحن مزّقنا "أوسلو"!

اخرى قبل 5 سنة

ها نحن مزّقنا "أوسلو"!

بكر أبوبكر

يحاولون أن يصوروا الأمر وكأنه معركة بين خط استسلامي وخط مقاوِم! يسيران جنبا الى جنب ولكنهما لا يلتقيان أبدًا.

ويحاولون استدعاء المقدّس رفضًا لنظرية (رحماء بينهم) لإثبات نظرية المعركة الدائمة بين الحق والباطل في نظرية الفسطاطين (المعسكرين) الإقصائية داخل الجسد الواحد! فهم معسكر التقوى والايمان والكفاح والآخر يتموضع في معسكر الخيانة والاستسلام، وجهنم وبئس المصير!

 ولطالما تم استخدام مثل هذه المقاربة الظالمة على وقع الاتهام المكرور، وعلى وقع صيحات التحدي: أوقفوا المفاوضات "العبثية" مع العدو، فيتم وقفها.

أوقفوا العلاقة مع الأمريكان، فيتم وقفها.

وافتحوا القرار 181 قرار التقسيم في الأمم المتحدة، فيتم فتحه.

وطالِبوا بريطانيا بالاعتذار ولا تتهاونوا فيتم مطالبتها.

وارفعوا قضايا لمحكمة العدل الدولية فيتم رفع القضايا للمحكمة -بطيئة الفعل- ثم ينادون بوقف العمل بالاتفاقيات مع العدو الاسرائيلي  فيتم وقفها!

أبهذا السياق يكسب أصحاب مدرسة الفسطاطين مدرسة (أشداء بينهم)! أم انهم أصحاب مدرسة العبث من حيث أنهم كانوا يراهنون على عدم استجابة الآخر، وهنا المقصود بالتحديد الرئيس محمود عباس.

 ولكنه عندما يقوم باختيار اللحظة المناسبة والظرف المناسب لاتخاذ القرار، إما يشكّكون ويطعنون، أويتعجبون ويندهشون، أو انهم يكذّبون ما يسمعون! والجامع بين ردود الأفعال هذه كلها منهم أنهم لا يفعلون شيئا بالمقابل فلا يقتربون قيد أنملة منه، فلا يمدحونه حاشا لله، وكيف يفعلون ذلك! بل يفتشون وراء الكلمات والمواقف ليجدوا ما يطعنون به الرجل والقيادة، وكأن المطلوب منهم فقط الطعن والانتظار، وليس الاقتراب ومد اليد وشد الأزر والوحدة.

من الذي يقف ضد أمريكا وحيدا مجرّدا من أي سلاح الا سلاح الايمان بالله وبعدالة القضية وقدرة الجماهير؟ إنه المستسلِم عدو المقاومة! والذي يحاصر غزة كما يصفونه! ومن يقف ليرفض الأموال –على قلتها مقارنة بالمجمل- احتراما لمسيرتنا النضالية لمسيرة شعب الأسرى والشهداء والجرحى؟ إنه الذي يجعل من أسماء شهداء القدس وفلسطين أيقونات تزيّن ميادين وشوارع فلسطين وعقول أبنائها، أنه محمود عباس الذي قالوا فيه ما لم يقل مالك بالخمر.

عندما يُقدم أبومازن على كل خطوة تحدّي قوية وذات آثار جانبية شديدة، وغير متوقعة منهم، يديرون الظهر، فما أن يُعلن الموقف الشجاع حتى تراهم يتراجعون أو ينتكسون، أو تأخذهم العزة بالإثم ولا يمدّون له اليد مطلقا! وكيف يفعلون ذلك وفيهم المأفون القائل: إن ممدت يدك لي لتقتلني سأقطع رأسك؟

لندع هذه المناظرة جانبا، فلقد قام محمود عباس باختراق المناطق الخطرة في العالم حين لم يخضع لكل الضغوط السياسية والمالية والميدانية، وتحدي وحيدًا الدولة الأولى في العالم أي أمريكا أو لنقل "اسرائيل" سيان! ومالي لا أستعيد كتيب المفكر الكبير خالد الحسن حول: من يحكم الآخر أمريكا ام "اسرائيل"؟ لنفهم مسار المسيحية الصهيونية المتحالفة مع اليمين الصهيوني الحاكم اليوم؟

محمود عباس ليس رجلا عدميا أبدا، وهو على صراحته ووضوحه الحاد والمؤلم، يكسر الكثير من أسس مناورات السياسيين وتكتيكاتهم، ولكنه مما رأينا عندما يتخذ القرار، أكان فرديا ام جماعيا، فلا يكون ردة فعل عابثة اواستجابة لهوى أومشاعرمارقة، أونزق.

القيادة الفلسطينية المفرّطة المستسلمة المحاصِرة لشعبها التي وقّعت اتفاقيات "أوسلو" الخيانية -كما يصفونها- هي التي تمزق اليوم ال400 صفحة التي تشكل الاتفاقيات الحياتية والقانونية، والسياسية (التشريعي والرئاسة، والوزارات..) والتجارية والصناعية والزراعية...، والأمنية من تنقلات بين المدن والى الخارج، والهويات، وتسليح القوات، وتحركات الشرطة بين القرى، والعمالة البشرية، وإشارات البث الإذاعي والتلفزي واللاسلكي....الخ.

هذه القيادة التي فاجأت المزاودين والمشككين والمعارضين العدميين لم تجد منهم إلا النفور والرفض والإعراض، عند كل خطوة تقترب من مطالبهم! وكأن المطلوب ليس المسير على منهج محدد اواستراتيجية متفق عليها، أو مرجعية وحدوية وطنية عربية فلسطينية! وإنما المطلوب في حقيقة الأمر هو اقتلاع هذه القيادة -مهما فعلت خيرا ام شرّا- والجلوس مكانها ضمن نفس الفكرة الأثيرة عند التيار الإقصائي.

الى كل ما سبق ومع كل مراحل التحدي لأمريكا و"اسرائيل"، في سياق "يا وحدنا" ياسر عرفات في بيروت ثم في المقاطعة برام الله، فإن المطلوب من الشعب الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية الآن هو الكثير الكثير وليس فقط الإعلان الورقي الذي لا يكفي مطلقا،والذي رآه البعض منذ الآن مخادعا!

إن مرحلة الصراع في ظل تمزيق الاتفاقيات يعني بناء استراتيجية مقاومة ونضال وطني جديدة تحقق النظر بحقيقة العلاقات مع الإسرائيلي باتجاهاتها الثلاثة التشريعية والقانونية والتنفيذية ، ولا يظن أي شخص أن الأمر سهل كما لم تكن معارضة أمريكا والثبات على الموقف سهلًا، فالأمر بداية معركة شرسة، وحرب شعبية طويلة النفس، وصراع من نوع جديد يحتاج لاستراتيجية موحدة أول متطلباتها أن يتخلى المزاودون المشكّكون عن أسلوبهم العدمي وأن يفكروا مليّا ويمدوا اليد لذلك "المستسلم"!.

ماذا سيحصل في ظل الغاء الاتفاقيات؟ سيناريوهات عديدة، قد نناقشها لاحقًا،وقد تسبقنا التطورات، ولكن في النظرة الأولى -والتي تحتاج لإغناء وعمق- فإن كل الأطر العاملة مع الإسرائيلي من وزارات وأجهزة سيادية ومؤسسات قد تقف مقطّعة الأيدي حيث كل الأمور في فلسطين تسير ضمن الرئة الاسرائيلية حتى رئيس السلطة الفلسطينية وبرلمانها، ولا يبقى في المواجهة الا الشعب العربي الفلسطيني البطل وأحرار العالم، ومنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها رئيس دولة فلسطين مقابل الحلف الامريكي الصهيوني الغاشم، فهل نتركه وحيدا أم ماذا؟ أم هل نبقى متفرجين بؤساء بلا حول ولا قوة؟ 

 

التعليقات على خبر: ها نحن مزّقنا "أوسلو"!

حمل التطبيق الأن